بطرس غالي.. العربي الوحيد على رأس الأمم المتحدة
بطرس غالي.. العربي الوحيد على رأس الأمم المتحدة
انطلق من العاصمة المصرية القاهرة إلى رأس منظمة الأمم المتحدة، ليكون الاسم العربي الوحيد الذي وصل إلى أعلى منصب في المؤسسة، ويصبح الأمين العام السادس لها منذ تأسيسها.
هو بطرس غالي، الذي كانت فترة ولايته صاخبة بالأزمات والصراعات والمعارك، ولم يكن خروجه من المنصب وعدم التجديد له لولاية ثانية أمرًا عابرًا، بل كان من أبرز العلامات الفارقة في دبلوماسية الأمم المتحدة، ولم تنتهِ إلا باستخدام الولايات المتحدة حق الفيتو لمنعه من الحصول على ولاية جديدة.
في السادس والعشرين من يونيو، تحتفل الأمم المتحدة بذكرى مرور ثمانين عامًا على توقيع ميثاقها، الذي وصفه الأمين العام الحالي، أنطونيو غوتيريش، بأنه "كان مجرد بداية، حيث رسّخ الأفكار والمبادئ التي يعمل العالم على تطبيقها يوميًا"، فبعد الحرب العالمية الثانية، اجتمع ممثلون من 50 دولة في سان فرانسيسكو لتشكيل منظمة تلتزم بفكرة "ألّا يشهد العالم حربًا مدمرة بهذا الحجم مرة أخرى".
وبهذه المناسبة، نتذكّر واحداً من أبرز الشخصيات العربية المرتبطة بهذه المؤسسة.
انتُخب بطرس غالي كأمين عام سادس للأمم المتحدة في الأول من يناير 1992، حيث بدأ فترة ولايته الممتدة لخمس سنوات، كأول عربي يشغل هذا المنصب، وأول من شغله لولاية واحدة فقط، حيث لم تكن "معركة الوصول" إلى المنصب سهلة؛ فبعد انتهاء فترة خافيير بيريز، كان من المقرر أن يأتي الأمين العام الجديد من القارة الإفريقية.
وتعادل بطرس غالي مع مرشح زيمبابوي في الجولتين الأوليين من الاقتراع، وتقدّم بفارق صوت واحد في الجولة الثالثة، ثم تأخّر بفارق صوت واحد في الجولة الرابعة.
هنا استشعرت دول العالم أن الولايات المتحدة تحاول إقصاء كلا المرشحين الرئيسيين، فقررت دعم غالي، ما مكّنه من تحقيق فوز ساحق في الجولة الخامسة.
اقتراح خطة للسلام
بدأ بطرس غالي مهمته في الأمم المتحدة باقتراح خطة للسلام قائمة على عدد من الأهداف، على رأسها أن تكون الأمم المتحدة أكثر نشاطًا في تعزيز الديمقراطية، وأن تمارس دبلوماسية وقائية لتجنّب الأزمات، وأن توسّع دورها كحافظة للسلام.. لكن الخطة دخلت في صدام مع الولايات المتحدة.
كانت فترة بطرس غالي من أكثر الفترات سخونةً لأمين عام في تاريخ المنظمة، حيث اندلعت الصراعات في الصومال، وبدأ الصراع في البوسنة والهرسك، ووصلت الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 إلى مستوى غير مسبوق من العنف، حيث قُتل خلالها أكثر من نصف مليون شخص، كما واجه غالي أزمة معقّدة في التعامل مع حروب يوغوسلافيا بعد تفككها.
وبعد خلافات واضحة مع الولايات المتحدة خلال فترة ولايته، لم تسمح له بالحصول على ولاية ثانية، فاستخدمت حق النقض (الفيتو) رغم وجود توافق داخل مجلس الأمن على اختياره.
ويصف هو الأمر في مذكراته بالخيانة، موضحًا أن مادلين أولبرايت، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة آنذاك، كانت تبتسم ابتسامة ودية، وتكرر عبارات الصداقة والإعجاب.
أحد كبار السياسيين العرب
قبل الأمم المتحدة، كان بطرس غالي أحد كبار السياسيين في مصر والعالم العربي. فبين عامي 1949 و1977، عمل أستاذًا للقانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة القاهرة، ومن عام 1974 حتى 1977، كان عضوًا في اللجنة المركزية والمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي العربي.
وتولّى في الوقت نفسه إدارة مركز الأبحاث في أكاديمية لاهاي للقانون الدولي، وكان محاضرًا في جامعات عديدة في إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية والشمالية.
وشغل غالي رئاسة الجمعية المصرية للقانون الدولي منذ عام 1965، ورئاسة مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بـ"الأهرام"، وكان عضوًا مشاركًا في معهد الشؤون الدولية، وعضوًا في اللجنة المعنية بتطبيق اتفاقيات وتوصيات منظمة العمل الدولية من عام 1971 حتى عام 1979.
وفي عام 2004، أصبح أول رئيس للمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، والذي أُنشئ استنادًا إلى توصية صادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فيينا عام 1993، الداعية إلى تأسيس مؤسسات وطنية تُسهم في تعزيز حقوق الإنسان.
وُلد الدكتور بطرس غالي بالقاهرة في 14 يناير 1922، وتخرج في جامعة القاهرة عام 1946، ثم حصل على الدكتوراه في القانون الدولي العام من جامعة باريس، وعلى دبلوم في العلاقات الدولية من معهد الدراسات السياسية بباريس عام 1949. مُنح عضوية فخرية في الأكاديمية الروسية للعلوم الطبيعية، ودكتوراه فخرية من جامعة كارلوس الثالث في مدريد.
جائزة "رجل السلام"
نال العديد من التكريمات والجوائز تقديرًا لجهوده داخل الأمم المتحدة وخارجها، منها جائزة "رجل السلام" من مؤسسة "معًا من أجل السلام"، وجائزة آرثر أ.هوتون جونيور ستار كريستال للتميز من المعهد الإفريقي الأمريكي بنيويورك، كما حصل على أوسمة من عدة دول، من بينها مصر، وبلجيكا، وإيطاليا، وكولومبيا، وغواتيمالا، وفرنسا، والإكوادور.
وتوفي بطرس غالي في 16 فبراير 2016 عن عمر ناهز 93 عامًا، ليطوي صفحة مضيئة في سجلات السياسة العربية والدولية.